ثقافة خاص من مهرجان كان: المخرجان أملريك وغاريل يغوصان في تيمات الولع والعشق
بقلم الناقد طاهر الشيخاوي- مراسلنا من مهرجان كان
لم أشاهد إلى حد الساعة (الأحد الثانية بعد الظهر) فلما أدهشني، بل بدت لي الدورة هافتة لا يتجاوز أحسنُها المتوسطَ بكثير. إلا إذا استثنينا القليلَ مثل « بربارا » الذي افتتح قسم « نظرة ما ».
يصنف العمل بالبيوبك biopic أي فيلم روائي عن سيرة شخصية حقيقية. في قضية الحال يتعلق الأمر بالمطربة باربارا. أما المخرج فهو ماتيو املريك وهو ممثل كنا ذكرناه في تقديمنا لشريط ديبليشان « اشباح اسماعيل » الذي افتتح الدورة. مؤثر للغاية صادق ذكي طريف. أقرب فلم في ما شاهدنا إلى الفن.

مرّة أخرى ليست درجة الإتقان مقياس الإبداع ولا استعراض القدرات ولا حتى الإجتهاد في التفرّد. فلا شيء من ذلك في شريط املريك وانما تطابق شكل (أي طريقة في المعالجة السينمائية) مع موضوع ما على أساس التزام فكري ذهني عاطفي.
ربما كانت صفة املريك كممثل هي التي ساهمت في ايجاد هذا التطابق. مجرد تخمين لأنه يصعب تشخيص أسباب التوفيق. كل ما يمكن فعله هو الإشادة والتعبير عن ملامح العمل المتميزة. لم يكتف املريك بتقديم الفنانة والوقوف على ميزاتها بل كان موضوعه ولعَه هو بها، فمزج بورتري باربارا بحالة المخرج وانبهاره بها. في هذه العلاقة وكيفية المراوحة بين الشخصيتين تكمن قيمة الفيلم الحقيقية.
كما يجب التنويه بفلم فيليب غاريل المبرمج في قسم أسبوعي المخرجين « عشيق يوم ». كان غاريل شارك السنة الفارطة في مهرجان كان في نفس القسم بـ« ظل النساء » الذي لقي استحسان النقاد كالعديد من أعماله السابقة.

فيليب غاريل من مواليد 48، بدأ تقريبا مسيرته في نهاية السبعينات مباشرة في أعقاب جماعة الموجة الجديدة يشتغل في راديكالية غاضبة وليست صاخبة.
« عشيق يوم » يروي ببساطة مدهشة بدون ألوان وفي شوارع باريس الخالية قصّة علاقة امرأتين شابتين برجل: الرجل استاذ فلسفة والإمرأة الأولى طالبة عشقته وعشقها والإمرأة الثانية ابنته التي احتمت بعطفه على إثر قطيعة عاطفية عنيفة مع عشيقها.
تلتقي المرأتان وهما في نفس السن في شقة الأستاذ، فيروي المخرج بأسلوب لطيف تطورات هذه العلاقة الثلاثية بجانبيها الذين يلتقيان في شخصية واحدة، شخصية الأب الحنون والعاشق المولوع في ذات الوقت.
ليست هناك أحداث مثيرة للغاية، هناك مشاعر طبيعية مشتركة لدى الجميع، وضعيات في غاية من البساطة، تبدو قريبة جدا من الكليشيهات وكم هي بعيدة عنها، ولكن دقة النظر والمتابعة المتأملة والإهتمام الحقيقي بأبعاد الحب العميقة جعلت من العمل جوهرة من الجواهر النادرة في سجل الأفلام العاطفية.